في إحدى الدشم العسكرية ، التي تقع على خط النار في صيف عام 1969 م ، جلس ميخائيل – أحد جنود سلاح الصاعقة المصري – ساندا رأسه على ركبتيه وساعديه ، مفكرا في حال البلد وحاله ، كان قد إنضم للجيش المصري منذ عام 1965 بعد حرب اليمن بعامين على الأكثر ، وكان وقتها يظن إنه سيؤدي الخدمة التجنيدية ويخرج ليبدأ حياته من جديد ولكن ..
لم يمضِ عامين حتى وقعت النكسة وفُرض عليه التواجد داخل الجيش إلى أجل غير مسمى ، كان هذا الأمر على الرغم من مرارته إلا أنه كان مهضوما بالنسبة إليه إلا أنه لم يكن يهضم أبدا الجندي محمود !!!
على عكس ميخائيل كان محمود أحد الجنود المتطوعين داخل سلاح الصاعقة ، وكان ميخائيل لا يميل أبدا لمحمود الذي كان منعزلا تماما عن المجموعة بل عن الكتيبة كاملةً ويعتبر هو العنصر المختلف فيها ، لا أحد يعلم عنه شيئا ..
لا تاريخ ..
لا أصل ..
ولا حتى كلام ....
كان منعزلا عن الجميع وبرغم كل هذا حاول ميخائيل أكثر من مرة التقرب إليه والتحدث معه إلا أنه لم ينبس ببنت شفة كأنه أصم وأبكم لدرجة أن ميخائيل تصور إنه لا يتحدث معه لكونه مسيحي !!!
ولأن الأمر غير موجود بتاتا ولم يواجهه ميخائيل من قبل إلا أنه شعر بهذا الشعور ألا وهو إضطهاد محمود له لكونه مسيحي ولكن كل الكتيبة تعامل ميخائيل جيدا وأيضا محمود لا يتعامل أبدا مع أي فرد داخل الكتيبة أو حتى السرية ، ودون مبالغة حتى الفرقة كاملة لا يتعامل معها كأنه منبوذ أو منعزل حتى إنهم أطلقوا عليه ذلك اللقب الذي استحقه برضاء الجميع " الصامت المنعزل " ومرت الأيام داخل حرب الإستنزاف حتى جاءت لحظة حاسمة في تاريخ المجموعة ....
*********** **********************
عملية فدائية خلف خطوط العدو ستقوم بها الفرقة التي تضم ميخائيل ومحمود ، وتدخل القدر ليلعب لعبته ليكونا في فريق واحد ، واستعد الجميع لتلك المهمة في ظلام الليل الدامس وهبطت الفرقة بزيها المموه وقامت بالعملية على خير ما يرام وفي طريق العودة ....
" انتبه يا ميخائيل "
صاح محمود بالعبارة وهو يدفع محمود بقوة ليزيحه جانبا ويتلقى نيابة عنه دفعة من الطلقات التي اخترقت صدره وكتفه الأيمن ، فالتفت ميخائيل بسرعة تليق بمقاتل صاعقة مصري واطلق طلقة استقرت بين عيني الجندي الإسرائيلي وهرول إلى محمود ، فوجده يلفظ أنفاسه الأخيرة والدماء تغطي صدره وعنقه ، فحمله والدموع تملأ عينيه وسأله :
لماذا ، لماذا دفعت حياتك ثمنا لحياتي ، أأول مرة اسمع فيها صوتك تكون المرة الأخيرة ؟
ابتسم محمود بشحوب وتمتم والدم يتناثر من فمه :
اجعلها عليك ، فإن أجلي قد حان ، اتمنى أن تسامحني وأن تطلب من الجميع الدعاء لي .
أومأ ميخائيل برأسه علامة الإيجاب ، فهمس محمود بشحوب :
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله .
ما أن انتهى من كلماته حتى هوت رأسه على صدره فحمله ميخائيل وتحت التغطية السريعة عادوا إلى الضفة المصرية وهناك نفذ ميخائيل وصية محمود ولم تمر عدة أيام حتى انضم فردا جديدا إلى الفرقة وكعادة ميخائيل حاول التقرب إليه ولكنه كان صامتا لا يتحدث لأحد ....
كاد تفكير ميخائيل يقوده إلى كونه مسيحي ولكنه توقف عن هذا وتذكر أيام محمود وهو يدفع روحه بدلا عنه غير مبالي بمسلم ومسيحي وتخيل إن حدث العكس هل كان ميخائيل سيفكر في عدم التضحية ؟ قطعا لا ..
فالحياة على خط النار ومواجهة الشدائد لا يحكمها كوني كذا وكونك كذا بل يحكمها روح الأخوة والوطن و....
" هل كان الجندي محمود إبراهيم هنا ؟ "
قاطع تفكير ميخائيل هذا السؤال الذي انطلق من فم الجندي الصامت فالتفت له بسرعة الصاروخ وسأله بلهفة :
هل تعرفه ؟
رد الجندي بهدوء :
ومَن لا يعرفه ، لقد كان أحد الجنود قبل نكسة يونيو 1967 م وكان مرحا لدرجة لا توصف ، وكان يداعب الجميع وفي النكسة كان بجوار النقيب مينا بطرس ، الذي أودى بحياته دفاعا عن محمود .
توقف ثم أخذ وأكمل بصرامة :
وقتها اقسم محمود على جثمان النقيب مينا أن يرد على هؤلاء الملاعين ، وألا يتحدث مع أحد حتى يأخذ بالثأر أو يموت دونه ، وظل هكذا يشعل نار الإنتقام بداخله ولكني ، لا أراه بينكم أين هو ؟ هل ترك الكتيبة ؟
دمعت عينا ميخائيل ورد :
بل ترك الحياة كلها يا رجل ، لقد ضحى بحياته لكي ينقذ حياتي ولكن ذلك الوعد الذي قطعه ولم ينفذه ، سيوفيه له أخوه ميخائيل نيابة عنه ، لا بل نيابة عن كل الرجال أمثال محمود والنقيب مينا ، فليرحمهما الرب .
ومع مرور عدة سنوات قامت حرب أكتوبر المجيدة ، وفيها حقق الجميع النصر ووفوا بوعودهم وبعد الحرب بسنوات عدة جلس الجد ميخائيل مع حفيده ليروي له ملحمة الصراع وحين نظر لواقع الحياة وصراع الأديان داخل البلد ابتسم بحزن وقال :
هذا التقسيم لا يفيدنا أو يفيد المسلمين ، لأن الجميع يدفع دماءه للذود عن هذا الوطن ، ففي الماضي لم تفرق الرصاصة بين النقيب مينا وبين محمود ، وبعدها بفترة لم تفرق بين محمود وبيني ، فهل كانت تعلم أن محمود مسلم وأنا مسيحي ، بل قتلت من وجدته في طريقها ولم تميزه بتاتا ، فلماذا يفرق الناس بين أبناء هذا الوطن الواحد ، لا مسلم ولا مسيحي ، فالدين لله ، أفهمت الهدف يا بني وما وراء التقسيم ؟
( تمت ) .
I.M.S.A \ M.S.M.O
:) حقيقية القصة دى ؟؟ كويس انك اتكلمت عن اكتوبر بفخر غير البعض اللى بيزايد على روح اكتوبر و انتصارة ! كان اشرف يوم فى تاريخ مصر الحديث :)
ردحذفمش حقيقية القصة دي
ردحذفوإنت كنت ستجد قصص أفضل منها حدثت لكننا لا نعلم عنها شئ
مش عارف هتستغربي ولا لأ بس في ناس شايفة إننا لم ننتصر في حرب أكتوبر :D
هو حقا أفضل يوم في تاريخ مصر الحديث والفضل أولا وآخيرا يعود فيه للمواطن المصري البسيط الذي قاتل قتال الأسود علي الجبهة والذي فكر وأبدع لحل المشاكل وليس من ينسب إليه الانتصار في كل عيد
المهم نكون لسه قادرين على الانتصار
ردحذفkontiki :
ردحذفالقصة ليست حقيقة ولكن بالفعل هذا ما يحدث
وفضل يوم اكتوبر يعود أولا لله تعالى ثم للمقاتل الحقيقي الذي ألقى بنفسه في التهلكة من اجل رفعة هذا الوطن ..
يسعدني ان القصة نالت اعجابك
محمد:
ردحذفالبعض يقول إننا لم ننتصر في اكتوبر ولكن دعك من هذا دعهم يراجعون الخرائط قبل وبعد 1973م
وقتها سيدركون من انتصر
ولكن الحقيقة أن المواطن هو من انتصر ولم يفرق وقتها بين المسلم والمسيحي
tears :
ردحذفنقدر نحقق انتصار ولكن
لو فعلا جوانا رغبة اننا ننتصر
تحياتي ومنورة القصة
تمام
ردحذفبالظبط زى ماقلت يااسلام رغبتنا هى المحرك الاساسى
القصة ممتازة
والتوقيت افضل من رائع
يمكن كلنا محتاجين ننسى الخلافات بينا
ونسامح بعضنا
يمكن نقدر نتنفس
غير معروف :
ردحذفاشكرك ع التعليق
يمكن نقدر نسامح
ونتنفس
منور المدونة
وشكرا لك على التواجد
ياريت متشكرنيش ع التواجد
ردحذفده شىء طبيعى
وانا بحب اكون موجود
الدين لله والوطن للجميع
ردحذفقصة حلوة
رغم انى حساها تقليدية .. يمكن من كتر القصص فى الموضوع دا ، بس اكيد روح حرب اكتوبر بتديها اختلاف :)
ردحذفالمشكلة ان محدش شايف انه غلطان فى الطرفين ، يعنى فى المسلمين بيقولوا كلام والمسيحيين بيقولوا كلام وكل واحد مقتنع برأيه وشايف ان الطرف التانى عدوه .. وفيه ناس شايفة ان النظام والحزب الحاكم حاليا بيحمى المسيحيين من المسلمين وانه لو اتغير هتحصل المصايب والمسلمين يقتلوا المسيحيين .. للأسف وجهة النظر دى موجودة فعلا وعند الطرفين ، التطرف مش مشكلة دين قد ما هو مشكلة ثقافة وفكر وتربية .. يعنى لما حد يتربى ان المسيحيين دول اعداؤه وانه ميسلمش ولا يشارك حد منهم يبقى اكيد هيكبر وجواه عداء كبير جدا ليهم ، ونفس الموضوع عند المسيحيين .. دايما بننسى كلام الرسول وكلام ربنا ان كل واحد حر فى دينه وانه " لا اكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى " .. وطبعا الحكومة معندهاش غير رد واحد هو عاش الهلال مع الصليب وتدارى على اى مشاكل تانية وتتغاضى عن اسباب الخلاف الرئيسية ..
شكرا على القصة ومعلش على طول التعليق بقى :D