الأحد، مارس 07، 2010

دقــات مـنـتـصـف الـلـيـل ...

" أخيرا ... "

قلتها وانا اتذكر ماضيا طويلا ، أكثر من خمسة عشر عاما قضيتهم فى الخارج ..

خمسة عشر عاما قضيتهم فى الأبحاث العلمية والعلم بعد خروج مرير من وطني ..

اتذكر حين خرجت من كلية العلوم بتقدير لا يساوي شيئا على الرغم من المذاكرة المميتة والأبحاث التي كنت اسجلها ، كل عام تخرج النتيجة كما هي بنفس التقدير وكل عام يلقى ببحثي فى سلة المهملات !!!

لازلت اذكر كلمات المعيد والأستاذ المساعد حينما كانوا يندهشون ويستنكرون كيف لطالب لايزال فى سنين الدراسة الأكاديمية ويقدم أبحاثا ويريد مناقشتها وكيف يطمح لمنصب المعيد وكون أبناء هيئة التدريس فى الكلية ؟؟؟!!!

لهذا كان واجبا عليهم إعطائي تقديرا مقبولا دائما حتى لا يخيل فى رأسي أن أطمح للتعيين فى الكلية والبحث عن تكليل أبحاثي بالنجاح ولكن ..

كان ما يقدر فى مستقبلي لا يعلمه سوى من رسمه لي وكان السفر للخارج والدراسة على نفقتي الخاصة يكفلون لي تحقيق هذا الحلم ، حلم العلم والأبحاث ،

والذي حمل لي طوال خمسة عشر عاما كثيرا من المفاجآت !!!

********

فى بداية تواجدي فى الخارج كانوا يعاملوني على كوني دارسا عربيا متخلفا لا يعي سوى ما يدرسوه له داخل كليات علمية عقيمة المنهج لم تتحدث ولم يزاول الأبحاث وغيرها ؛ وبالفعل كان هذا الشعور ما ينتابني خصوصا وقت الدراسة التي كنا نحصل عليها هناك من تغيير فى المناهج ولغة جديدة ومعامل حديثة مطورة وليست متخلفة كالتي كنت ادرس فيها !!

وكان حواري مع المشرف على دراستي فى الخارج – حين كان يتحدث عن الدراسة العلمية – فقال لي متساءلا باللغة الألمانية :

هل كانت الدراسة هناك كمثل تلك الدراسة التي تتلقاها هنا ، هِر مصطفى ؟

نظرت له وكان يلازمني شعورا بسخريته مني ولكني تجاوزت عن هذا الشعور وكتمت فى داخلي مدى سخطي على نظم التعليم والتي لا تخفى على مثل هؤلاء المتابعين للعلم والعلماء على مستوى العالم فما كان مني إلا أن رددت على سؤاله بسؤال بألمانية ركيكة نوعا ما :

كيف ترى الدارسين العرب عامة والمصريين خاصة ، هِر فريدريك ؟

نفث الهر غليونه ورد بهدوء بطئ ضاغطا على حروفه :

فى الحقيقة إنكم مذهلون ، حين تجيئون لا يسمع لكم صوتا وتكونوا ضعافا فى اللغة والعلوم ولكن ما أن يتم مزاولة الأمر معكم حتى تتفوقون وهذا ما يعجبني فيكم ولكن هناك بعض الدارسين مثلهم مثل ما يجلسون عليه ولا يقدمون جديد ويبتغون فقط الشهادة العلمية لكي يعودوا بها لأوطانهم والإلتحاق بجامعة لديكم للتدريس .

سمعت رده وكنت اعلم إنه مصيب فيه لكون الحالة المادية تسيطر علينا أكثر من الحالة العلمية لهذا قررت أن أكون من أمثال الباحثين عن العلم ويخلد إسمهم فى سجل العلماء ..

وكان هذا ما بحثت عنه

فحاليا انا فى وطني ..

وطني الحبيب الذي ابتعدت عنه وخرجت منه دون تقديرا ، الآن وقد عدت إليه بعد إقناع إحدى الجامعات الخاصة بإنشاء قسم خاص وسري لإستخدام الطاقة النووية فى العلاج ..

كان هذا الحلم عسيرا ولكن مع وجود التمويل والتعاون بين تلك الجامعة الخاصة ونفس الجامعة التي كنت اعمل بها فى ألمانيا أؤكد نجاح هذا القسم ..

وكان إنتصاري فى إقناع الجميع بالعودة لموطني لعمل تلك التجربة هو أكبر فوز ولكن ، كان النجاح الأكبر هو فوزي بمثل هذا القصر .

قصر رائع جميل ، مبني على الطراز القديم ، يحمل من الزخرفة ما يجعل أي فرد يتمنى العيش فيه ، لم اتخيل أن يكون ثمنه بمثل هذا المبلغ الزهيد ، ثمنا بخسا لكون الناس فى تلك البلدة تردد أن هذا القصر الجميل مسكون بالأشباح !!!

كان كلامهم مضحكا ، هل لاتزال الخرافات وقصص سكون الأشباح للقصور النائية مسيطرة على عقول هؤلاء البسطاء من الشعب ، هل أخرج من قرابة خمسة عشر عاما وأعود مرة أخرى لهذا الوطن لأجد نفس الأفكار والعادات والتقاليد والأساطير تسيطر على العقول :

" السحر ، الدجل ، الزار ، الأشباح ، أمنا الغولة ، الجنيّة "

كل تلك الأمور والأفكار المسمومة تجدها داخل هذا الوطن لكونها المسيطر الأساسي عليه ولكن ، لكوني عشت حياة علمية لا أصدق بأيا منها ..

فالقصر قد باعه مالكه لإنه مسافر للخارج وقد استطعت إقناعه ببيعه بهذا المبلغ ليس لأن القصر مسكونا ، وسبب إختياري له هو كونه منعزلا فهذا سيبعدني عن الناس لأتابع أعمالي وأبحاثي دون فضول وإستفزاز من أحد الجيران الذين تنطبق عليه عبارة " يدسون أنوفهم فيما يعنيهم وما لا يعنيهم "

تذكرت عبارات بعض العامة حين نقلت أمتعتي لهذا القصر :

انظر لهذا الرجل ، لقد جاء من الخارج لكي يقطن مع الأشباح فى منزل واحد .

ألم يكن يعلم أن القصر مسكونا بالأشباح لهذا باعه مالكه بثمن زهيد .

تبا لهؤلاء العلماء ، إن أمخاخهم من كثرة العلم تخرج لحيز الجنون ، ماذا سيفعل فى هذا القصر وحيدا منفردا ؟

تذكرت كل تلك العبارات وضحكت بسخرية ، هل تتواجد الأشباح ؟

وهل لهم مقدرة على التواجد ؟

ضحكت بصوت مرتفع ولكن ..

" ما هذا ؟ ."

إنها دقات تدق على الباب ، مَن يعلم إني هنا ؟

راودني السؤال وظل يلح على ذهني حتى وصلت للباب وفتحته فلم أجد أحدا !!!

ضحكت من نفسي ربما هي بعض التخيلات والأمور التي سيطرت على عقلي بسبب التفكير فى الأشباح ...

جلست أضحك على نفسي وتفكيري ولكن ، صدر صوت أخر إنه ..

صوت صرير الأخشاب .. وصوت مشي بطئ فى الأعلى !!

لا إنها التهيؤات مرة أخرى ، فلا يوجد أحد غيري فى هذا المنزل ....

فكرت فى الأمر ، انا بالفعل بمفردي ، و....

اللعنة ، لماذا يقترب صوت هذا الصرير ..

انتفضت فى مكاني عندما دقت الساعة ملعنة تمام منتصف الليل ، ومعه إزداد صرير الأخشاب لدرجة جعلت قلبي يكاد يتوقف و...

وضحكت على نفسي من الإجابة لم أكن اتخيل مع نهايات دقات الساعة أن تكون تلك هي الإجابة على صوت صرير الخشب ..

" هرة متوسطة الحجم دخلت المنزل ، وكانت تنزل من الأعلى فأحدثت هذا الصرير مع خشب المنزل العتيق "

يالخوفك يا مصطفى من تلك الأمور ورعبك كدت تموت رعبا من هرة صغيرة كانت تنزل من الأعلى ، و.. ولكن ..

إن كانت الهرة معي هنا ، فلماذا هذا الصرير بالأعلى ؟

ومَن كان يدق الباب سابقا ؟ بل ومَن يقرعه حاليا ؟

ولماذا تدق الساعة مرة أخرى معلنة منتصف الليل ؟ وبهذا الصوت المرتفع ؟

ولماذا يزداد إرتفاع الصوت بالأعلى ؟

اللعنة يكاد قلبي يتوقف من شدة الرعب ، لقد علمت مصدر الصرير الأول فهل مِن مجيب على تلك الأسئلة قبل أن يتوقف قلبي من الرعب ..

******************************************************

" وهكذا افاد تقرير تحليل الجثة سبب وفاتها "

نطقها ضابط برتبة مقدم لأخر برتبة نقيب ، فنظر له النقيب مستفسرا فأجابه المقدم :

إنه رجل خرج من المصح العقلي بعد رحلة طويلة مع العلاج ، فقد كان طالبا فى كلية العلوم ، وعانى من تعنت هيئة التدريس معه فأصابته حالة من الجنون الوقتي والعيش مع الهلاوث ، فتصور نفسه عالما سافر للخارج ، وعاد بعد أن أصبح عالما فى مجال الطاقة النووية ، ثم بعد الكشف الأخير عليه تقرر إنه سليم العقل ولم يعد يعاني من أي إصابة فى عقله .

أخذ النقيب التقرير من يد المقدم ليكمل :

وتصور إنه اشترى منزل والده النائي وجلس فيه ليجري التجارب ، ولكن عقله صور له وجود الأشباح ومن شدة رعبه توفى .

هز المقدم رأسه بأسف وقال :

لقد كان يكتب كل شئ فى ورقة ، مسكين لقد توفى وهو كاتب فى نهاية الورقة عبارتين

" الأشباح ، منتصف الليل "

وهو نفس الوقت الذي توفى فيه فلقد توفى من الرعب مع

دقات منتصف الليل ..

I.M.S.A \ M.S.M.O

هناك 8 تعليقات:

  1. من الواضح انك كاتب موهوب جدا
    وبتتفرج على افلام رعب كتير
    ونصيحة ياابنى بماانك داخل الجيش
    متستعجلش الرعب لانه جاى جاى
    واسال مجرب

    ردحذف
  2. غير معروف
    شكرا على رأيك
    منور المدونة والقصة
    ههههه
    شكرا انك طمنتني

    ردحذف
  3. لا اطمن
    مش بيقولو العين عليها حارس
    تقدر تعتبرنى مجازا الحارس
    وابقى طمنا عليك

    ردحذف
  4. هظبطك يامعلم واديك شويه نصايح
    انا يمكن اقصر الفتره الجايه شويه فالمدونه
    لكن اتاكد انى هتابعك
    واتمنى تطمنا عليك دايما
    وبالتوفيق يامان
    تمام

    ردحذف
  5. غير معروف :
    شكرا على تشجيعك العالي
    وشكرا على النصيحة ..
    وان شاء الله تتابع معنا المدونة ..

    ردحذف
  6. مرعبة ! ... أعجبتنى الفكرة كثيرا فهى قصة رعب لكنها تلقى الضوء على فساد نظامنا التعليمى وعدم التقدير للمتفوقين الا فى الخارج وعدم وجود ما يسمى بالبحث العلمى فى مصر ، اسلوب شيق جدا أمتعنى طول القراءة بلا ملل او تطويل زائد او تسارع ، النهاية جميلة
    بالتوفيق :)

    ردحذف
  7. شكرا علي مرورك
    بس صدقيني إحنا خففنا جرعة الرعب مراعاة إن في أطفال صغيرة وبنات ممكن يدخلوا المدونة
    وإن شاء الله جميع الأعمال القادمةتنال إعجاب الجميع

    ردحذف
  8. بلاك بيرل
    منورة دقات منتصف الليل
    ويسعدني انها نالت اعجابك
    انتظري الجديد على مدونة المجانين ..

    ردحذف

خد راحتك في الجنان معنا حرية الرأي مكفولة للجميع حتي لو هتجنن علينا
نظرا لوجود مشاكل في نظام التعليقات لغير معرفين برجاء عدم التعليق بغير معرف منعا لاختفاء التعليقات